Post Top Ad

Your Ad Spot

السبت، 10 أغسطس 2019

عادات وقيم العرب في العصر الجاهلي:

عادات وقيم العرب في العصر الجاهلي:


قد يتوارد إلى أذهان البعض أن الفترة التاريخية التي سميت بالعصر الجاهلي تدل على
{الأمية}أي عدم القدرة على القراءة والكتابة، ولكن هذا المصطلح [الجاهلية]
استخدم في العصر الجاهلي بمعنى السفه والطيش وسُميّ بهذا الاسم لما شاع فيه من الجهل وليس المقصود بالجهل الذي هو ضد العلم بل الجهل الذي هو ضد الحلم.
والذي يؤكد على ذلك وبكل وضوح قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم
(ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين)
وقد ساد في الجاهلية الكثير من العادات والتقاليد البالية كالمجون وشرب الخمر
ووأد البنات وماإلى ذلك من عادات سيئة وغير أخلاقية وعندما ظهر الإسلام نهى عن
تلك العادات وحرمها.
وكما كان في الجاهلية عادات سيئة كان هناك في المقابل عادات وتقاليد رفيعة يفتخر بها
الجاهلي وتوارثها المسلم وأثنى عليها الإسلام ولايزال بعضها قائماً حتى الآن
وسنسرد بعضها لأن ما يسود في مجتمعنا في العصر الراهن قد دثر الكثير من العادات
والتقاليد والقيم الجمالية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي كالكرم الذي شحَّ
ولم يعد له أثر، وإن وجِد فوجوده للتفاخر والظهور بمظهر النبل والشهامة ليس إلا
وأصبح الناس في هذا العصر لا يستضيفون ضيوفهم إلا بأخذ موعد مسبق وذلك عبر
مواقع التواصل الاجتماعي، وإن صدف واضطر ذلك الضيف الحلول عند أحدهم يرتبك
المضيف ويقول جملته المشهورة بينه وبين أهله [مو عيب عليه يجي وقت الغدا]
بينما كان الجاهلي يتغنى بكرمه في أشعاره ليس لمجرد المفاخرة بل لأن الكرم كان
خصلة من خصال الجاهلي الحميدة وما كان حاتم الطائي سوى القدوة والمثال الأعظم
في الكرم والجود حيث يقول

أماوي! قد طال التجنب والهجر
وقد عذرتني من طلابكم العذرُ

أماوي! إن المال غادٍ ورائح
ويبقى من المال الآحاديث والذكرُ

أماوي! إني لا أقول لسائلٍ
ـ إذا جاءَ يوْماًـ : حَلّ في مالِنا نَزْرُ

أماوي! إما مانع فمبين
وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجرُ
 أما الفروسية فقد اندثرت ولم يعد لها أثر، وإذا أراد العربي في وقتنا الحاضر ركوب الخيل ركبه لمجرد ممارسة هوايته المفضلة ليفاخر بين أصدقائه بأنه الفارس المغوار الذي استطاع امتطاء ظهره إذا ما غدر به جواده على حين غره أوقعه وأسكنه المشفى ثلاثين يوماً
مايستدعي قيام عنترة بن شداد للقيام من قبره والضحك غاضباً من تلك المهزلة وهو الفارس الصنديد الذي استطاع بفروسيته أن يثبت ذاته بين قومه ويثبت أن الفروسية والشجاعة فاقت النسب والشرف،  حيث كان عبداً لا نسب له وبالرغم من ذلك ساد على سادات قومه.
 وهنا نستذكر بعضاً من أبياته في ساحات
الوغى.
دَعوني أُوَفّي السَيفَ في الحَربِ حَقَّهُ
وَأَشرَبُ مِن كاسِ المَنِيَّةِ صافِيا
وَمَن قالَ إِنّي سَيِّدٌ وَاِبنُ سَيِّدٍ
فَسَيفي وَهَذا الرُمحُ عَمّي وَخالِيا

وإغاثة الملهوف كانت قيمة جمالية وتقليد توارثه الجاهلي من آبائه وأجداده
وتغنى به في مستهل أشعاره أضحى اليوم شبه معدوم
فإن شب حريق في منزل أحد الجيران يقف جاره متفرجاً ليقول بصوت جهوري
[هل من أحد اتصل بالإطفاء؟]
ويقف آخر يصور الحريق بكل سعادة وكأنه يصور في حفلة زفاف ليقوم بنشر الحريق على مواقع      التواصل الاجتماعي فيكون بذلك سباقاً في نشر الخبر
و يقول ذو الإصبع العدواني أحد حكماء العرب في الجاهليّة:

آخِ الكرامَ إن اسْتَطَعْـ ـــــــتَ إلى إِخائهمُ سبيلا

واشربْ بـكأسهم وإنْ شـربـوا بــه الـسمّ الـثّميلا

أَهِنَ اللّئامَ ولا تَكـــُنْ لإخــــــــــائهم جَملا ذَلولا

إِنّ الكرامَ إذا تـــــــُؤا خيهمْ وجــدتَ لهم فضولا

وَصِلِ الكرامَ وَكُنْ لِمَنْ تـــــــــــرجو مَوَدّته وَصولا

وقد ضرب عروة بن الورد أروع الأمثلة في الإيثار والكرم والمشاركة الوجدانية
وإذابة الفوارق الطبقية التي كانت مسيطرة في عصره آنذاك حيث يقول:
أتهزأ مني إن سمنت وقد ترى بجسمي شحوب الحق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراحَ الماء والماءُ باردُ

وكان للعيب عندهم أن يبيت الغني بطناً وجاره خماص فالكرم مفخرة والبخل لؤم
وهناك الكثير من القيم الاجتماعية النبيلة التي سادت في العصر الجاهلي ولم يعد
لها أية قيمة معنوية أو جمالية في عصرنا الراهن .
فقد كان الوفاء بالعهد قيمة نبيلة يفاخر بها الجاهلي وكان يذم الغدر ويهجو الخائن الذي يخون
بالجار أو الصديق أو حتى عابر الطريق بينما الوضع في وقتنا الحالي يختلف عما كان
 عليه في الجاهلية ،فقد أصبح الوفاء كالعملة النادر، إذ يندر أن نصادف شخصاً وفياً
يصون الصداقة ويكتم السر ويفي بالعهد
وقد جسدت قصيدة المثقب العبدي أسمى معاني الوفاء بالعهد فيقول في ذلك

لاَ تَقُولنَّ إِذَا ما لم تُرِدْ  أَن تُتِمَّ الوَعْدَ في شَيءٍ نَعَمْ
حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْدِ لاَ  وقَبيحٌ قوْلُ لاَ بَعدَ نَعَمْ
إن هذه القصيدة وغيرها من القصائد التي لا تعد صورت لنا تلك العادات القيمة التي كان الجاهلي
يتغنى بها ويحاول الحفاظ عليها لما حوت من قيم أخلاقية وحسن قول، بالإضافة إلى تحلي الجاهلي
بالحكمة والصبر على الشدائد وكل ذلك أسهم وبشكل كبير في ضبط سلوك العرب في الجاهلية
وما وصل إلينا من قصائد وأشعار خير دليل على ذلك.
وبذلك نكون قد أوردنا بعض الفوارق بين عرب العصر الجاهلي وعرب العصر الحديث، عرب الحضارة الماضية وعرب الانحطاط القائم، مبرزين أهم خصائص وصفات العرب في تلك الفترة  الجميلة  من الزمن.
بقلم المبدعة ميادة موسى

Post Top Ad

Your Ad Spot